الأحد، 11 ديسمبر 2022

الزعماء في لبنان والعقلية الإقطاعية

 كنتُ أتسائل دائمًا لماذا الشعب اللبناني الشقيق متعلق بزعماء سياسيين يدين لهم بالولاء والبراء، يوالي من والى زعيمه ويعادي من عاداه، وكنتُ أُشبِّه حال الزعماء بالإقطاعيين، خاصة عندما أسمع ألقاب الزعماء، مثل: الزعيم، القائد، السيد، البك.. إلخ، حتى وقفتُ على كلمة الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب 1973 م يقول فيها: إن شعب بلاده ليس جاهزًا ليتخلى عن العقلية الإقطاعية والاقتناع بأهمية بناء الدولة الحديثة. ورغم أن كلمة شهاب كانت في عام 1970 م بحسب ويكيبيديا، إلا أنه بحسب واقع الزعماء اليوم والإدانة لهم بالولاء والبراء، وتكوين بعض الزعماء مليشيا مسلحة، كما كان يفعل الإقطاعيون القدماء، فإنه يتأكد لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن أغلبية الشعب -وليس كلهم بالطبع- مازال يعيش إلى اليوم بعقلية الإقطاع.

في عام 2019 أطلق جماعة من الشعب اللبناني الحر شعار (كلن يعني كلن) مطالبًا بإسقاط الزعماء السياسيين وكنتُ في غاية السعادة عندما سمعت الشعار، ويبدو أنه لم يأتِ بنتيجة على أرض الواقع، ولكن كون الشعار أُطلق فهذا يدل على الوعي الشعبي.

السبت، 19 مارس 2022

وفاة الشيخ الأستاذ عبدالله فراج الشريف

 


   توفي الشيخ الأستاذ عبدالله بن فراج الشريف في يوم الخميس بتاريخ 1443/8/14هـ الموافق 2022/3/17 م ومنذ وفاته وإلى اليوم الأحد وأنا في مزاجٍ سيء، إذ بدأت أمارات القلق تدب إلى فكري، ولا يتوقف عقلي عن التفكير. الشيخ عبدالله الشريف من العلماء المعتدلين، وقد كرَّس حياته للدفاع عن الوسطية والاعتدال، ومحاربة التطرف والانحلال، فقد كتب العديد والغزير من المقالات في الصحف، ونشر بعض الكتب، وخرج في بضع مراتٍ -أحسبها قليلة- في لقاءات متلفزة، وكل جهوده المذكورة آنفًا وغيرها تصب في هدفٍ واحد، وهو التأصيل للاعتدال، ونشر ثقافةٍ إسلامية متسامحة وفق المنظور الأصولي والفقهي.

   المذكور رحمه الله ليس ابن العشرين ولا الخمسين بل جاوز 80 عامًا، فقد كان عمره مليئًا بالعطاء والتعليم والدعوة رحمه الله تعالى. 

   قد يقول قائل: قد ذكرتَ في بداية حديثك أنكَ قلقٌ بعد سماعك خبر وفاة الشريف، فما الداعي لهذا القلق ؟ وقد مات قبله من لعله خير منه عند الله تعالى ؟ والجواب هذا صحيح، فليس هو أول الميتين ولا آخرهم، ولكن قلقي نابعٌ من أن رموز الفكر والاعتدال بدأ يتخطفهم الموت واحدًا تلو الآخر، وموت هؤلاء لاشك أن له ضرر علينا؛ لأنهم علماء، وهم من يردون الشبهات، ويفسرون المشتبهات، ويجمعون المختلفات، وذلك بسعة علمهم، ونفاذ بصيرتهم، وحذق فكرهم، ولو أن الأمر وُكِل إلى غيرهم لدبت الفتن إلينا دبيبا، ولا يخفاك أيها القارئ العزيز الحديث النبوي القائل: إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا. أخرجه البخاري.

   الأفكار المتطرفة تظهر بكل عصر وزمان، وظهر في عصرنا تنظيم القاعدة وداعش الإرهابيان عليهم غضب الله، وقد كان للعلماء الربانيين دور كبير في بيان عوار فكرهم، وتحذير الشباب من الانجرار ورائهم، ولذلك فالعالم هو جندي من جنود الدين والوطن، يحفظ الأمن والإيمان، بسلاحه القرآن وصحيح السنة بفهمٍ صحيح وصريح. نعم الخير لايزال في الناس، والأُمة ولاَّدة، ووطننا يحارب الأفكار المتطرفة بسلاحين: سلاح الفكر وهو إقامة الحجة، وسلاح الأمن، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما ورد في الحديث.

   ومن خسارة موت العالم أنه يموت معه علم غزير، يموت وتموت معه دقائق العلم ونكت المسائل، والعالم يموت وفي جعبته الكثير لم يطرحه، ولم يقله، وأحسب الشيخ عبدالله فراج الشريف يرحمه الله من هؤلاء العلماء. 

   وأخيرًا كان للشيخ الفاضل عبدالله فراج الشريف جهده في محاربة التطرف، ونشر العلم، وهو في ذلك يتبع سنة من سبقه من العلماء، فعليه رحمة الله ومغفرته ورضوانه.